Posted by: mustaf2 | ماي 26, 2009

حكومتان في وطن واحد!

حكومتان في وطن واحد!
مصطفى إبراهيم
5/7/2007
في وقت توجد فيه للفلسطينيين حكومتان، واحدة في غزة والأخرى في الضفة الغربية، وتزداد الخلافات حدة وتتوسع الهوة بينهما، وتباعد المناكفات السياسية بينهما يوماً بعد الآخر، من خلال حرب القرارات والمراسيم المضادة، يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت بترتيب أوراقه الداخلية، و صوغ الحكومة الإسرائيلية وإعادة تشكيلها.
حكومة أولمرت الثانية وصفها بعض الصحافيين الإسرائيليين بأنها أقوى من الأولى التي اعتبرت الأضعف منذ قيام الدولة العبرية. إعادة تشكيل الحكومة الإسرائيلية جاءت بعد التغيرات التي طرأت في الساحة السياسية الإسرائيلية عقب استقالة رئيس الدولة موشي كتساف الذي أتهم بالتحرش الجنسي، وانتخاب شمعون بيرس (عضو حزب كاديما النائب الأول لرئيس الوزراء)، رئيساً للدولة خلفاً له وخروجه من الحكومة. تزامن ذلك مع الانتخابات التي أجريت في حزب العمل وانتخاب أيهود باراك رئيسا للحزب، وتعيينه وزيرا للجيش خلفا لعمير بيرتس الذي استقال من الحكومة على إثر فشله في الفوز في انتخابات رئاسة الحزب.
كما أن استقالة أبراهام هيرشون وزير المال عن حزب كاديما، جعلت عدد من أعضاء كاديما يطمحون إلى تولى هذا المنصب الحساس، الذي ذهب لوزير الداخلية روني بار أون في التشكيل الحكومي الجديد، الذي تنافس عليه مع حاييم رامون العائد للحياة السياسية بعد إسقاط تهمة التحرش الجنسي عنه. أولمرت عين صديقه والمقرب منه رامون وزيراً من دون حقيبة ونائباً له. وذلك على رغم من الدعاوى الكثيرة التي تقدمت بها حركات نسائية ضد تعيينه لدى المحكمة العليا.
ودفعت العلاقة السيئة بين باراك ورامون بعض المحللين إلى التساؤل عن طبيعة هذه العلاقة وكيف يكون رامون نائبا لرئيس الوزراء وباراك وزيراً للجيش.
أولمرت أيضا أعاد تشكيل المجلس الوزاري الأمني المصغر، وأضاف إليه عدداً أخر من الوزراء، استجابة لتوصيات تقرير “لجنة فينوغراد” الذي حمل القيادة السياسية وفي مقدمها أولمرت المسؤولية عن فشلها في الحرب على لبنان في تموز/يوليو الماضي، واتهمتها بالضعف وأنها وضعت أهدافا لم تكن ملائمة للحرب. وصف المحلل السياسي للإذاعة العبرية “حنان كريستال” الحكومة بأنها قوية وأنه أستطاع أن يرضي الغالبية من أعضاء كاديما، وكل وزير وضع في مكانه المناسب، خاصة بعد تولي باراك وزارة الجيش.
أولمرت يعيد تشكيل حكومته ويعمل على تقوية موقفه، عبر إزالة العقبات من طريقه، سواء كن ذلك خدمة لمصلحته الشخصية أو خدمة للمشروع الصهيوني، والفلسطينيون يقيمون حكومتان في وطن واحد، واحدة في غزة وأخرى في الضفة. ما حصل في غزة غير مقبول وخطير، وكذلك ما يجري في الضفة الغربية من انتهاكات لحقوق الفلسطينيين، كل ذلك يشكل تهديداً حقيقياً للمشروع الوطني والضرر يلحق بالكل الفلسطيني.
بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، دخلت الساحة الفلسطينية في جدل سياسي، ومناكفات أثرت على المشروع الوطني الفلسطيني، وعدالة القضية الفلسطينية، وقامت ما يسمى بالرباعية الدولية بفرض الحصار المالي والاقتصادي على الفلسطينيين، وشهدت الساحة الفلسطينية خلال العام ونصف العام الماضي جولات اقتتال داخلي عنيفة، وكل جولة كان يتوقع ويحذر المراقبين من زيادة حدتها، ومع الاتفاقات الهشة التي كان يتم التوصل إليها كانت تزداد الهوة والشرخ يتسع لأنها لم تؤسس لاتفاقات مبنية على أساس وطني سليم وتعمل على شراكة الكل الفلسطيني في اتخاذ القرار.
بعد عام ونصف العام من الاقتتال، وصلت الأوضاع إلى مرحلة الحسم العسكري والسيطرة على قطاع غزة، وعلى الرغم من توقيع إتفاق مكة في شباط / فبراير الماضي، والذي تفاءل الفلسطينيون من خلاله للتوصل لاتفاق نهائي، وبرغم من التحذير بأنه لن يصمد كثيراً لما تم الاتفاق عليه من خلال المحاصصة بين طرفي الصراع وأعتبر مخرجاً، إلا أنه سرعان ما انهار كل شيئ، لأنه لم يؤسس لاتفاق وطني شامل.
الفلسطينيون دخلوا في مرحلة كسر العظم فيما بينهم، طرفي الصراع يتمسكون بمواقفهم، وتخطت المسألة قضية المناكفات السياسية وحرب القرارات والتعميمات والالتزام بالدوام أو عدمه. من يعطي لنفسه الشرعية عليه أن يثبت للشعب الفلسطيني ذلك من خلال المراجعات والتنازلات الذي يجب أن تقدم من الطرفين وذلك خدمة للمصلحة الوطنية العليا، ورحمة بالقضية الفلسطينية، و التاريخ والشعب الفلسطيني لن يغفر لأي منهم.
الشعب الفلسطيني آلمه ما حصل في غزة من قتل وخراب، وتدمير لمقدرات الشعب الفلسطيني، ويألمه ما يجري في الضفة الغربية، وعلى الرغم من ذلك لا بديل للفلسطينيين سوا الحوار، والجلوس على الطاولة من جديد، لكن الحوار يجب أن يكون شاملاً يجمع الكل الفلسطيني بعيداً عن المجاملة والثنائية، وحل جذور المشكلة بدلاً من تخذيرها، إسلوب الطبطبة مرفوض ويجب البناء على ما سبق والعمل على الشراكة السياسية الحقيقية، وبناء منظمة التحرير ونفض الغبار عنها وعدم استخدامها وقت الحاجة وللمصلحة الحزبية والفصائلية الضيقة.
الفلسطينيون الذين تتعقد حياتهم يوميا، الحصار الإسرائيلي لا يزال مفروضا عليهم وإسرائيل تعاقب مليون ونصف المليون فلسطيني، والآلاف من المدنيين والمرضى عالقون على الجانب المصري من معبر رفح، وتوفي عدد منهم، والعديد من الجرحى الذين أصيبوا في الاقتتال الأخير تبتر أعضاؤهم لرفض حكومة أولمرت السماح لهم بالعلاج في الخارج، والنقص في الأدوية في المستشفيات، والمؤسسات الدولية تحذر من كارثة إنسانية قد تحل بغزة في كل وقت، والقليل من المساعدات تدخل، والحكومتان تزجان بالشعب في الخلاف السياسي والمناكفات، والتعميمات والقرارات المتبادلة التي ترهق المواطنين، وتزيد من قلقهم وخوفهم على مشروعهم الوطني، والاحتلال لا يزال يبتلع ما تبقى من فلسطين.

-انتهى-


أضف تعليق

التصنيفات