Posted by: mustaf2 | ماي 26, 2009

اتفاق مكة: الحقيقة والمصالحة

اتفاق مكة: الحقيقة والمصالحة
مصطفى خليل إبراهيم
12/2/2007
على رغم من الفرح الكبير الذي رافق إتفاق حركتي فتح وحماس في مكة، فإن هناك حزنا عميقا في قلوب ونفوس الكثير من العائلات الفلسطينية التي قتل أو جرح أبناؤها خلال جولات الاقتتال الداخلي وحال الانفلات الأمني التي سادت الساحة الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة، ما يتطلب من الحكومة الحادية عشر القادمة عملا شاقا لعقد مصالحة وطنية شاملة لجسر الهوة وإعادة اللحمة لأبناء الشعب الواحد.وتكون دولة جنوب أفريقيا القدوة للفلسطينيين عندما عقدت ما سمي لديهم بالحقيقة والمصالحة.
لقاء مكة والدفء الحار الذي سادت أجوائه بين المتحاورين دفعت بعض الفلسطينيين إلى التساؤل إذا كانت هذه الحميمية في العلاقات؟ على ماذا كانوا يختلفون؟ لماذا كل هذا التأخير في الاتفاق والأراضي الفلسطينية مقدسة كما الأراضي الحجازية؟ ولماذا ترك القادة في الحركتين الحبل للمتقاتلين إستباحة الخط الأحمر، وأصبح الدم الفلسطيني ألوانا، وأصبح المستقبل مع ضراوة الاقتتال وشدته ودرجة الحقد والكراهية بينهم بصورة مخيفة غامضا.
أطراف فلسطينية عديدة تدخلت لوقف الاقتتال وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والدم الفلسطيني الذي سال عزيز على كل فلسطيني ومع ذلك أبتهج الفلسطينيين فرحا على أثر توقيع الاتفاق بين الطرفين، لان ما جرى إذا ما استمر لا سمح الله سيصبح معها الفلسطينيون غير قادرين على الخروج من دوامة الاقتتال الداخلي.
يتطلب من حكومة الوحدة الوطنية ليس رفع الحصار المالي والاقتصادي فحسب، بل العمل مع الكل الفلسطيني من أجل توحيد الشعب وليس توحيد حركتي فتح وحماس فقط، اتفاق مكة كان بين حركتي فتح وحماس، لأنهما الحركتان الأكبر وهما قطبا السلطة، والاتفاق أثبت صحة ما كان قاله بعض المحللين الفلسطينيين أن الصراع الذي أستمر عاما كان على السلطة وليس صراعا على برامج سياسية محددة، وإن ادعت بعض الأطراف غير ذلك.
الإسرائيليون مستمرون في إجراءاتهم القمعية ضد الفلسطينيين، وهم ضد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، كان ذلك واضحا من خلال تصريحات رئيس الوزراء أيهود أولمرت بأنه يتمنى ألا يتفق الفلسطينيون على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لذا على الفلسطينيين أن يتساموا على الجراح وان يعملوا بكل جد من اجل إنجاح حكومة الوحدة وتوحيد كل الجهود، لأن المطلوب من الحكومة الكثير، فالاحتلال لا يزال جاثما على صدورهم ومستمرا في سياساته القمعية وخير شاهد الاقتتال كان في غزة على أشده والحفريات التي يقوم بها في القدس مستمرة.
لم يخف الإسرائيليين غضبهم من الرئيس محمود عباس على توقيعه الاتفاق مع قيادة حماس، ولم يرضهم الاتفاق الذي وقعه الطرفان، واعتبروا ذلك خطيرا، كما اعتبر بعض الصحافيين الإسرائيليين أن الاتفاق نصر لحركة حماس، والضغط الكبير الذي مارسه الملك عبد الله على الطرفين لم يرغم حماس على التنازل عن أي من لآتها التي أطلقتها بعد فوزها بالانتخابات، التنازل عن السلطة كما خططت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، أو عن مبادئها، ولم تعترف بإسرائيل، ولم تنبذ الإرهاب ولم توافق على الالتزام بتنفيذ كل الاتفاقات الموقعة، وفي المقابل وافقت على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي أصبحت مطلبا فلسطينيا وعربيا.
اختلفت ردود الفعل الإسرائيلية على اتفاق فنح وحماس. ففي رد أولي صرح مصدر من ديوان رئيس الوزراء أيهود أولمرت انه في حال عدم امتثال الحكومة الفلسطينية الجديدة لشروط اللجنة الرباعية وفي مقدمها الاعتراف بدولة إسرائيل فإنها لن تحظى باعتراف دولي وان الحكومة لا تزال تدرس الاتفاق.
وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق سيلفان شالوم خلال البرنامج الإذاعي يمين ويسار في الإذاعة العبرية (8/2/2007)، انتقد فيه الحكومة الإسرائيلية حيث قال إن الحكومة وضعت عند خروجها للحرب على لبنان ثلاثة أهداف وهي تحرير الجنديين الأسيرين، وتدمير قدرة حزب الله القتالية، ومنع سقوط صواريخ الكاتيوشا على المدن الإسرائيلية، إلا أن الحكومة فشلت في تحقيق أي من تلك الأهداف. وعقب على اللقاء في مكة وذلك قبل التوقيع عليه بساعات بالقول إن الفلسطيننين سيشكلون حكومة وحدة وطنية ولم تلتزم حماس بالشروط التي وضعناها مع اللجنة الرباعية، وعلى إسرائيل أن تواجه ذلك بالتعاون مع المجتمع الدولي وتعزيز العلاقة مع الدول العربية والإسلامية المعتدلة للضغط على الحكومة الجديدة وحماس من أجل الاعتراف بالشروط الدولية أو الاستمرار في عزلها والإبقاء على الحصار مفروضا على أي حكومة قادمة لا تعترف بحق إسرائيل في الوجود.
وقال نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيرس يجب درس تفاصيل الاتفاق بين فتح وحماس بامعان، مطالبا الحكومة الفلسطينية الجديدة بتلبية شروط الرباعية الدولية.
وفي مقابلة إذاعية صباح(9/2/2007)، مع رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، تساحي هنغبي قال إن اتفاق مكة لن يتضمن اتفاقا من جانب حماس الاعتراف بدولة إسرائيل، مطالبا حركة حماس بإلغاء ميثاقها الداعي إلى ابادة دولة إسرائيل، وأضاف أنه ينوي توزيع نسخة من ميثاق حماس على أعضاء الكنيست، في خطوة لتجنيد أعضاء الكنيست ضد حكومة الوحدة الوطنية.
وفي مقابلة للإذاعة العبرية قبل التوقيع على الاتفاق قال وزير التهديدات الاستراتيجية أفغيدور ليبرمان انه لا يهم إسرائيل اتفاق فتح وحماس ما يهمنا هو التزام حماس بقرارات الشرعية الدولية، إلا انه في مقابلة مع مجلة “دير شبيغل الألمانية” اليوم الاثنين (12/2/2007)، قال ما يقلقني هو إن تشكيل حكومة وحدة وطنية سيمنح حركة حماس الشرعية الدولية من دون أن تعترف بإسرائيل، ولا يجوز ذلك أن تعطي حماس شيكا على بياض.
على رغم العقبات الكبيرة التي لا تزال تنتظر تطبيق الاتفاق ستعمل أطراف كثيرة على عدم إنجاحه، على رأس هذه الأطراف الدولة العبرية التي تتمثل مصلحتها في إبقاء الساحة الفلسطينية رهينة الفوضى، وعدم رفع الحصار المالي، والاقتصادي والعزلة السياسية التي فرضتها الشرعية الدولية، وعلى رغم التصريحات الصادرة عن بعض الدول الأوربية إلا أن الموقف الأوروبي لا يزال يراوح مكانه وذلك متماهيا مع الموقف الأمريكي والإسرائيلي، وأمام الفلسطينيين الكثير للقيام به على الساحة الدولية من خلال مخاطبة المجتمع الدولي بالبرنامج السياسي الموحد. والسؤال: هل سيبقى موقف الأمم المتحدة العضو في اللجنة الرباعية على ما هو عليه بعد تشكيل حكومة الوحدة؟ أم سيبقى كما أعلنه الأمين العام الجديد للأمم المتحدة ” بان كي مون”، عندما أعلن الأسبوع الماضي بعد انتهاء اجتماع اللجنة الرباعية عن استمرار الحصار على الفلسطينيين، وطالبهم شخصيا بالالتزام بشروط الرباعية.
العقبات التي تنتظر الفلسطينيين كثيرة سواء على الصعيد الداخلي أوالخارجي، وعلى حركتي فتح وحماس أن تبدأ الحوار الوطني الشامل مع كل الفصائل الوطنية والإسلامية والعمل بأقصى سرعة على إشراك كل الطيف الفلسطيني ليس في الحوار فقط بل في الحكومة.
على الصعيد الداخلي: الفلسطينيون يتمنون أن يستمر الطرفان في تعزيز أواصر الاتفاق ونزع فتيل الحقد والكراهية بينهم. وعلى الحكومة أن تعمل على نيل ثقة الجماهير الفلسطينية بها، من خلال عقد المصالحة الوطنية الشاملة بين جميع فئات الشعب الفلسطيني وذلك ضمن الأطر القانونية التي تحفظ للضحايا حقوقهم. ويتساءل بعض الفلسطينيين: هل يكون الاتفاق الخطوة الأولى في بناء النظام السياسي الفلسطيني الجديد الذي وضعت لبناته بالاقتتال الداخلي وشلال الدم الذي نزف في شوارع غزة؟.
أما على الصعيد الخارجي: على الحكومة أن تتوجه للعالم العربي والدولي من خلال البرنامج السياسي الواحد في طريقة عمل تقنع العالم بعدالة المطالب الفلسطينية، خاصة بعد سنة من الخلافات التي أوصلت الفلسطينيين للاقتتال الداخلي ومخاطبة الرباعية الدولية من منطلق الالتزام بالثوابت الفلسطينية، والتحاور من أجل رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني. والتوجه للأمم المتحدة ومطالبتها بتطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وعدم اتخاذها مواقف مغايرة لميثاقها بالمشاركة في فرض الحصار على الشعب الفلسطيني.
على الفلسطينيين أن لا يلتفتوا لما يصدر عن الصحافة أو المسؤولين في الدولة العبرية عليهم أن يلتفتوا لبناء المجتمع الفلسطيني الذي بات مهددا بفقدانه لأبسط مقوماته الأساسية والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على ثوابتهم الوطنية.


أضف تعليق

التصنيفات